الإفك سلاح الجبناء

في الحلقة 20 تناولنا جزءا من حديث "معركة النفس الطويل" وعرضنا مفردات هذه المعركة : كاللعب على المعنويات، وخسران معركة تمهيدا لكسب الحرب في النهاية، وتحديد الخصوم الجادين، وفنيات تجاوز الصدمة الأولى، وتوسيع رقعة المعركة لإبعادها عن التشخيص وتأطيرها بدين عظيم، أو وطن عزيز، أو كرامة غالية، أو جماعة ربانية..الخ، وخلصنا إلى أن أسوأ عدو للإنسان هو نفسه، فالنصر  يبدأ منها والهزيمة تنبت فيها، والتغيير الجاد "يتخمر" فيها، وأن أول خطوة جادة على طريق التغيير تبدأ بقتل الشخصانية واقتلاع جذور الأنانية لتجاوز مصيدة : "أنا خير منه".
21 – أفاكون بامتياز : أبلغ جملة تفوه بها الفوهرر أدولف هتلر قبل أن يختفي من هذا الوجود قوله : " إذا طعنك أحد من خلف فاعلم أنك تسير في مقدمة الناس" وإني أعتقد أنه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1945 إلى اليوم زاد عدد الطاعنين للمتقدمين من الخلف باللسان والسنان، وإني أعجب لأقوام يدلون بتصريحات خطيرة عارية من الرجولة وخالية من الشهامة وبعيدة عن الخلق، ومع كل هذا الهوان النفسي والإنحطاط الخلقي لا يملكون الشجاعة للكشف عن أسمائهم، ويلتحفون بأقنعة جبانة تطلق عليها وسائل الإعلام تسميات مفضوحة كقولهم : مصدر مقرب، مصدر مأذون، مصدر حسن الإطلاع، شخصية مقربة رفضت الكشف عن أسمها..الخ، وتأتي مواقع التواصل الإجتماعي لتوسع هذا السلوك المتجلبب بعناوين براقة كقولهم : ناصح، مخلص، مناضل قديم، جندي خفاء، حمساوي..وتزداد التعاسة عندما ينسب بعض الأفاكين الكبار أنفسهم إلى مدينة عريقة كتلمساني، وقسنطيني، وعاصمي، وأوراسي..الخ..ثم يكتبون ما لا يجوز قراءته، ويقطعون ما أمر الله به أن يُوصل، ويقولون في الحركة ورجالها ما لم يقله الله في الخمر – وليس مالكا- لأن الله ذكر ما فيها من "إثم كبير" ولم يحجب ما فيها من "منافع للناس" بينما بعض الأفاكين لا يرون لهذه الحركة ونضالاتها ورجالها وشهدائها ومواقفها وفضلها على كثير من الناس أي خير، ولا أعتقد أنهم يجهلون قواعد الجرح والتعديل وضوابط الشهادة التي تنقل الإثم من اللسان إلى القلب إذا كان صاحبها مصرا على كتمانها : "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"، وكلها سلوكات مشينة.
ولنا على هذه السلوكات المشينة ثلاث ملاحظات منهجية :
الأولى أخلاقية :  وخلاصتها أنه ليس من الرجولة والشهامة والشجاعة والخلق القويم أن يتحدث المتحدث أو يكتب ما يعتقد أنه نافع للناس دون أن يكشف هذا المتحدث عن هويته ليعرف الناس مع من يتعاملون، فالمرسل يجب أن يُعرّف بنفسه كما فعل سليمان (ع) مع ملكة سبأ : "إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمان الرحيم".
والثانية أدبية : وخلاصتها أن الناس يهمهم – قبل أن يقرأوا أو يسمعوا- معرفة هوية الكاتب أو مصدر الصوت، لأن قيمة الكلمة في قائلها، لذلك يهتم المسلمون كثيرا بمرجعيات الخطاب، فالقرآن عندهم مقدس لأنه كلام الله ثم يأتي بعده الحديث الشريف، ثم كلام الصحابة والتابعين – ومنهم الأئمة والعلماء والدعاة- ثم يأتي صناع القرار من ذوي القدوة، ثم الأدنى فالأدنى إلى أن تنقطع سلسلة السند فتدخل الأخبار في دوائر اللغو وسقط الحديث الذي أمرنا ربنا عز وجل أن نتعامل معه بطريقتين:
-         أن نقول سلاما للاغين والمرجفين.
-         أن نهجر مجالسهم وأن نمر عليهم مرور الكرام.
والثالثة تربوية : وخلاصتها أن الكتابات الهابطة مثل الكلام الساقط.. كلاهما يلوثان السمع كما تلوث الفضلات الأماكن النظيفة ويسممان القلوب كما تسمم الغازات الحرارية الهواء ويشحنان النفس بشحنات سالبة كما تشحن الإشعاعات المشبعة الأرض بما يقتل فيها الخصوبة أو يعطل فيها النماء، لذلك وجب على كل من يدرك مسؤوليته على سمعه وبصره وفؤاده ألا يعرض جوارحه للتوث وأن يحاول إبعادها عن التسمم والشحن الإشعاعي.
-         فالعاطلون عن العمل تجدهم فلاسفة في التنظير لا يعرفون من كلام سوقة ليس له من مدخلات ولا مخرجات فإذا طالبناهم يتحويل كلامهم إلى جداول تشغيل تحولت فلفساتهم إلى ما سماه زهير بن أبي سلمى "مخض الماء" عندما كتب في همزيته الرائعة :
بعض القول ليس عياج     ***    كمخض الماء ليس له إيتاء
-         والمنهزمون نفسيا وفكريا وحضاريا لا يحسنون إلاّ ترديد ما قاله الأولون : "لو كان خيرا ما سبقون إليه". فلا يتصورون خيرا يأتي من غير بابهم.
-          والذين يحسدون إخوانهم على ما رزقهم الله كإخوة يوسف (عليه السلام) لا يتقنون إلاّ فنون المراوغة والكذب على أبيهم بالحرص على إرساله معهم : "يرتع ويلعب" والإجماع على رميه في غيابات الجب، وهندسة الكذب وذرف الدموع واتهام الذئب بأكله وتلطيخ قميصه بدم كذب..حتى إذا حزبتهم الخطوب ودقت ساعة الجد وساقتهم ظروفهم إلى أخيهم يحملون إليه بضاعة مزجاة يطلبون منه إيفاء الكيل والتصدق عليهم.
فما أبشع الإنخراط في معسكرات الأفاكين وما أحط قيمة من لايجد ما ينفق من "طيب الكلام" إلاّ السباب والشتائم والإفتراء على الناس بغير علم، مع أن أكثر هؤلاء الأفاكين يقرأون صباح مساء : "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا".
فما هو العلاج القرآني للإفك الشيطاني؟
أنصح أبنائي وبناتي من - أعماق قلبي- بتلاوة متأنية متدبرة لثلاث سور من كتاب الله تعالى هن الجواب الكافي لمن سأل عن العلاج الشافي من أمراض الإفك والشك والغيبة والنميمة وقول الزور، وهن : سورة النور، والأحزاب، والحجرات، فإذا لم يستقم خلقه ويطمئن قلبه يراجع تفسير سورة التوبة ويقف طويلا أمام الدروس المستخلصة منها، فعلماؤنا يسمونها الفاضحة لأنها جهاز كشف أشعة النفاق الذي هو "سكانير" رباني يكشف بها علام الغيوب نفسيات مريضة كان أصحابها يعيشون مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويتحركون معه في الصفوف الأمامية ولكنهم كانوا يطعنونه في الظهر باللسان والمؤامرة والسنان، فنزلت الفاضحة لتكشف عما في القلوب وتعري نفوسا مريضة "تأكل الغلة وتسب الملة" وتختم دورة الإرجاف بالقول : "فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم".
فائدة عظيمة :
 خلق الله بعض الناس على شاكلة حيوانات، فبعضهم "حمار يحمل أسفارا" وبعضهم : "كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" وبعضهم يشكك في كل شيء وينتقد كل شيء..ولا يعجبه العجب ولا يفرق بين رمضان ولا رجب، ويسأل عن كل صغير وكبير..حتى البعوضة التي ضربها الله مثلا يثير حولها السؤال لنشر الشبهات : "ماذا أراد الله بهذه مثلا"..الخ، فلا تصاحب أحدا من هؤلاء ولا تتعب نفسك في الرد على إجتراراته، فأنت لك ما يشغلك، لأنه صاحب فكرة وحامل مشروع ورسالتك في الحياة كالغيث "أينما وقع نفع".. أما هو فلا شغل له إلا "مضغ الكلام" وزرع الإفك ونشر الفتن بين الناس بهدف تعطيلك عن عملك..وشتان بين حالب وشارب، وبين نائحة ثكلى فقدت عزيزا ونائحة مسأجرة تخمش  وتشق جيبها وتدعو بدعوى الجاهلية بمقدار ما يضع لها المستأجرون في رصيدها من دينار ودرهم ، "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس، وإذا شيك إنتقش". فأمضي نحو الهدف رافعًا لافتة قرآنية معجزة كُتب عليها : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيننا لكم الآيات إن كنتم تعقلون. ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور".
هل يحتاج هذا البيان إلى بيان؟ وهل بعد قول الحق من الحق؟ أو ليس بعد الحق إلاّ الضلال؟؟
ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
ــــــــــــــــــــــ
حركة مجتمع السلم

0 commentaires:

Dí lo que piensas...

liniwih

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...