مغاربة مهووسون بصناعة الأسلحة

عاطل يخترع صواريخ متطورة وبيضاوي يصنع أصغر طائرة حربية بدون طيار
عزيز الحور
هل يصنع المغرب أسلحة؟ سؤال حساس للغاية تتطلب الإجابة عنه اختراق جدران القوات الملكية المسلحة السميكة. أما ما إذا كان هناك مغاربة متمكنين
من تطوير أنظمة حربية وصناعة أسلحة ومعدات عسكرية وصواريخ وطائرات بدون طيار، فهذا ما سنطلعكم عليه في هذا التحقيق. «المساء» تحدثت إلى مغاربة لهم هوس خاص بصناعة الأسلحة، بعضهم تمكن من تطوير صواريخ حربية هجومية ومضادة بتقنيات لم يسبق لجيش في العالم أن عمل بها، وبعضهم الآخر قاده اشتغاله في مجال الهندسة العسكرية إلى اختراع طائرات عسكرية بدون طيار، أما البعض الآخر فرمت بهم محاولاتهم لصنع عبوات ناسفة في السجن بعدما مروا أمام أنظار المحكمة العسكرية. في هذا التحقيق نكتشف كيف يمكن لمغاربة أن يصنعوا أسلحة، ونعري جزءا من حقيقة تدبير مجال تصنيع المعدات العسكرية في المغرب. كما نبرز أيضا المشاكل التي يواجهها مغاربة يرغبون في إفادة القوات المسلحة باختراعاتهم العسكرية الجديدة.
يخصص المغرب سنويا ملايير الدولارات لاقتناء الأسلحة، وجيشه صار من أعتى جيوش إفريقيا والعالم. ميزانيات ضخمة تخصص لاقتناء أنظمة دفاعية وصواريخ وطائرات حربية وآليات عسكرية، إلى درجة أن المغرب صار، في غضون الثلاث سنوات الأخيرة، من ضمن عشرة أفضل زبناء للأسلحة الأمريكية، وفق دراسة لمصلحة الأبحاث التابعة للكونغرس الأمريكي.
المغاربة هم أيضا صاروا ضمن أكثر الأشخاص في العالم بروزا في المجال العسكري. عديد منهم يبرزون في جيوش دول أخرى، يعملون ضمن قواتها المسلحة كجنود أو أطباء عسكريين أو مهندسين حربيين. بعض هؤلاء تلقوا دعما ماليا كبيرا من مؤسسات الدفاع والتسليح ويقدمون مشاريع تطوير أنظمة عسكرية متطورة.
في المقابل، لم تبارح أحلام آخرين في تطوير أسلحة وإفادة الجيش المغربي بها أوراقا وجذاذات تشرح تقنيا اختراعاتهم. السبب، حسبهم، يكمن في أن المؤسسة العسكرية بالمغرب غير منفتحة على المخترعين من خارج الجيش، كما أن تطوير الأسلحة في المغرب يعد من أكثر الملفات سرية على الإطلاق.
من هم هؤلاء المغاربة الذين تمكنوا من صنع أسلحة؟ ماذا كان جواب ضباط الجيش عندما عرضوا عليهم مشاريعهم؟ وقبل ذلك كله، هل يشجع الجيش المغربي مجال تصنيع الأسلحة؟
أسلحة أطلس وتوبقال
جل المعدات العسكرية والآليات الحربية التي يتوفر عليها الجيش المغربي هي متحصلة من عمليات شراء. بين الفينة والأخرى ترد أنباء بشأن اقتناء المغرب أسلحة وطائرات حربية وصواريخ وفرقاطات من دول أخرى، وبالتحديد من شركات كبرى تسيطر على سوق السلاح في العالم.
أبرز أسواق السلاح التي يقتني منها المغرب سلاحه هي السوق الأمريكية، والسبب راجع إلى سياقات تاريخية جعلت المغرب قريبا عسكريا من أمريكا وجيشها، في الوقت الذي اختار فيه جنرالات الجزائر المراهنة على السوق الروسية. الشاهد على ذلك التنسيق البيّن بين الجيش المغربي ونظيره الأمريكي، والذي ما زال مستمرا وواضحا، المناورات العسكرية المشتركة التي يتم القيام بها بين الفينة والأخرى، كما عرف المغرب مؤخرا حدثا عسكريا تجلى في تنظيم الولايات المتحدة الأمريكية، عرضا عسكريا بمراكش، الأسبوع الماضي، بحضور قادة الجيش المغربي والأمريكي، وبمشاركة رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، والسفير الأمريكي بالرباط.
فرنسا وإسبانيا، أيضا، توجدان ضمن أكبر موردي الأسلحة إلى المغرب، بحكم العلاقات بين المغرب وهذين البلدين. في المقابل ينفتح الجيش المغربي على دول أخرى مصدرة للسلاح، مثل أستراليا والصين وبلجيكا. وهذا ما يجعل الجيش المغربي متنوعا من حيث المعدات العسكرية التي يتوفر عليها. ضمن هذه المعدات، حسب المعطيات غير الرسمية، 1600 مدرعة وناقلة جنود، عدد كبير منها من صنع بلجيكي، إلى جانب مئات الدبابات الأمريكية والبريطانية والروسية الصنع، فضلا عن مئات المدافع وراجمات الصواريخ، وعدد من المروحيات العسكرية والطائرات الحربية، في مقدمتها «ميراج 2000« و«إف » التي وصلت آخر دفعة منها إلى المغرب قبل أشهر، إضافة إلى قرابة عشر فرقاطات بحرية كبيرة، أبرزها فرقاطة محمد الخامس والحسن الثاني وآخرها فرقاطة محمد السادس.
هذه الأسلحة يتوفر عليها الجيش المغرب بعد اقتنائها من الميزانية العمومية أو عبر مساعدات مالية أجنبية، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية المتحدة والسعودية. لكن هل يطور المغرب أسلحة خاصة به؟
الجواب عن هذا السؤال صعب للغاية، على اعتبار أن أبواب المؤسسة العسكرية بالمغرب موصدة بإحكام، عكس مؤسسات عسكرية بدول أخرى حيث يتم الكشف، عبر مواقعها الإلكترونية ونشراتها الخاصة، عن تفاصيل صفقاتها العسكرية واختراعاتها الحربية. المعطيات المتوفرة تشير، في المقابل، إلى أن هناك إرادة وعملا على تطوير أسلحة وذخائر حربية وصواريخ صغيرة داخل قواعد عسكرية، كما تتم الإشارة إلى آليات عسكرية على أنها من صنع مغربي، ويتجلى ذلك في سيارات حربية للنقل تسمى أطلس 1 و2 و3، إلى جانب طائرات تدريب اسمها توبقال وابن بطوطة والخطيب، فضلا عن دبابة تسمى الصحراء المغربية.
هذه الأمور كلها تتم خلف ستار التكتم والسرية. في المقابل، حاول مغاربة الدخول إلى ما وراء هذا الستار، وطرق أبواب الجيش حاملين معهم ملفات اختراعاتهم العسكرية. «المساء» التقت بعضهم وتحدثت إلى آخرين.
في هذا التحقيق نعرض لقصتين: قصة حبيب الشبوكي، الذي تمكن من ابتكار تقنية جديدة لتطوير صواريخ أرض- أرض تمتاز بأنها تبحث عن أهدافها بدقة عالية، وقصة فرنسي مغربي المنشأ اسمه ميشيل أغيلار، حقق حلمه بتطوير طائرة عسكرية صغيرة بدون طيار بعدما انتقل إلى فرنسا.
«هاوك» مغربي
«إلى مولانا المنصور بالله صاحب الجلالة محمد السادس، القائد الأعلى للقوات الملكية المسلحة وأركان الحرب العامة. القصر الملكي العامر-الرباط. الموضوع: ابتكار تقنية جديدة لتطوير صواريخ أرض أرض العادية إلى صواريخ باحثة عن الأهداف بدقة عالية»، كانت هذه مقدمة رسالة ليست كباقي الرسائل أرسلها مغربي مهووس بصناعة الأسلحة إلى القصر.
في هذه الرسالة التي أرسلها حبيب الشبوكي، وهو مخترع يقطن بحي درب السلطان بالدار البيضاء وينحدر من مدينة أبي الجعد، قدم الشبوكي نبذة عن اختراع ليس كباقي الاختراعات التي ترى النور في المغرب، فالأمر يتعلق بسلاح، وبالضبط بصاروخ يكشف عنه الشبوكي في رسالته بالقول: «أبلغ جلالتكم على أنني توصلت، بعون الله، إلى ابتكار تقنية جديدة تعمل على تطوير الصواريخ العادية أرض- أرض وذلك في الميادين التالية: أرض- أرض وأرض- جو وأرض- بحر وبالتالي بحر- أرض وبحر- جو وبحر- بحر».
في رسالته التي تقدم بها الشبوكي إلى القصر أوضح أنه يرتجي من خلال اختراعه هذا تطوير القدرات العسكرية للجيش المغربي وهو ما يبرزه بقوله: «إن هذه التقنية سريعة الإنجاز كما أن القدرات الصناعية بالمملكة المغربية قادرة ولله الحمد على تحقيق هذا الابتكار، وإنني يا مولاي رهن إشارتكم للمزيد من التوضيحات في هذا المشروع».
«المساء» التقت الشبوكي، وهو رجل في منتصف العمر، لا يعمل حاليا ويصرف وقته لتطوير اختارعه، ولو في شقه النظري. كان يتحدث عن اختراعه ومجال ابتكار صواريخ حربية بحماس كبير. «أصبحت الصواريخ سلاح القرن الواحد والعشرين بدون منازع، وباتت عماد الدفاع والهجوم في آن واحد وازدادت دقتها في إصابة أهدافها، حتى إنها أصبحت تؤدي الدور القتالي الذي كانت الطائرات الحربية تقوم به من قبل»، يتحدث الشبوكي بنبرة متحمسة، مستغرقا في شرح أمور تقنية تتعلق بتطور صناعة الصواريخ وتنافس الدول الحديثة على ذلك، «هناك منافسة كبيرة بين الدول المتطورة في مجال صناعة الأسلحة من أجل تطوير صواريخ أكثر دقة وموثوقية من حيث إصابتها للأهداف وقوتها التدميرية، وهذه الصواريخ مكلفة كثيرا ويصرف الجيش المغربي من أجل اقتنائها أموالا طائلة، فصواريخ «الهاوك» مثلا، وهي صواريخ تتجلى وظيفتها في أنها مضادة للطائرات فقط، يصل سعرها إلى نحو 30 ألف دولار للبطارية الواحدة، علما أن البطارية الواحدة تعمل لثلاثة صواريخ. الابتكار الذي تمكنت من تطويره أفضل بكثير من «الهاوك» لأنه متعدد الاستعمالات، جوا وبحرا وبرا، وليس مثل «الهاوك» الخاص فقط بقصف الطائرات، كما أنه أقل تكلفة منه»، يردف الشبوكي.
لكن كيف تمكن هذا البيضاوي البسيط من تطوير سلاح في غاية الدقة كما يدعي؟
سؤال يمكن الإجابة عنه من خلال مسار الشبوكي، الذي طار إلى فرنسا مباشرة بعد حصوله على الباكالوريا بآسفي. وفي مدينة سانتيتيان درس الميكانيك العام قبل أن يهاجر إلى سويسرا لإتمام دراسته بالمدرسة العليا للمهندسين. لأسباب مادية لم يكمل الشبوكي دراسته ليهاجر إلى ألمانيا وينصرف إلى مجال الاختراع. «في سنة 1982 شرعت في مجال الاختراع، وفي سنة 1985 سجلت أول اختراع لي وكان عبارة عن سلاسل بدواليب للسيارات تحل مشكل السير في الثلج»، يقول الشبوكي قبل أن يضيف، «في سنة 1993 ابتكرت أربعة اختراعات في مجال الماء، حصلت كلها على جوائز قبل أن أشارك في مسابقة للاختراعات بالدار البيضاء سنة 1997 بعدما تمكنت من ابتكار جهاز إلكتروني لمراقبة رشاشات مياه الحمام والتحكم فيها بشكل يساعد على اقتصاد الماء، كما اخترعت آلة لمنع تسرب الغازات والحشرات والجرذان والمياه العادمة ومياه الفيضانات عبر قنوات الصرف الصحي إلى المراحيض بالمنازل، كما صنعت آلة لتخزين مياه الأمطار، كما طورت تقنية تحول دون انفجار قنينات الغاز المخصصة للطبخ».
اختراعات الشبوكي هاته كانت تنجز بتزامن مع دراسته التي كانت وراء هوسه المتمثل في صنع صواريخ. هذا الهوس ظل حبيس جدران خطاطات الشبوكي ولم يبارح جذاذاته وما يدونه بها نظرا لارتفاع كلفة الإنجاز فضلا عن منع القيام بتجارب عسكرية في المغرب، «منذ سنة 1987 وأنا أشتغل على مشروع أكثر أهمية وتعقيدا، ويتعلق الأمر بإنجاز نظام رصد عسكري وتتبع للأهداف الثابتة والمتحركة بدقة عالية. بعد 25 سنة من البحث والتنقيب استطعت إنجاز نظام يمكن من استعماله كرأس ذكي للصواريخ ذات الدقة العالية، بل أكثر من هذا، فهذا الاختراع يمكن استخدامه في عدة مجالات للدفاع، أرضا وجوا وبحرا، ولمسافات متفاوتة، قصيرة ومتوسطة وطويلة، وفي جميع أحوال الطقس والمناخ»، يشرح الشبوكي مضيفا: «فكرة هذا الابتكار هي تحقيق تكنولوجيا «اطلق وانس» أو «Fire and forget» التي تجعل الصواريخ أداة دفاع ذكية ذات دقة عالية، فكلما زادت دقة الصواريخ تمت إعادة النظر في المعدات الكبيرة كالطائرات والدبابات والسفن الحربية، والأهم من هذا كله هو أن هذا الابتكار يستطيع رصد وتتبع كل الأهداف التي يصعب رصدها بأجهزة الرادار. هذا النظام الدفاعي المتكامل يشمل القوات البرية والبحرية والجوية لأنه يرصد الطائرات الحربية والمروحيات والدبابات والمركبات العسكرية وكذلك السفن والبوارج الحربية».
خلف هذه التوضيحات العامة تختفي تفاصيل تقنية يشرح من خلالها الشبوكي مشروعه، وتختفي أيضا تفاصيل رحلة بدأها هذا المخترع بطرق أبواب الجيش. انطلقت الرحلة سنة 2006 بالرسالة التي وجهها الشبوكي إلى الملك. لم يتصل به أحد حينها، انتظر حتى سنة 2010 ليتم استقباله قصد عرض مشروعه، «في هذه السنة اتصلت هاتفيا بالإدارة العامة للتسليح العسكري وحصلت على موعد. توجهت إلى تواركة بالرباط حيث توجد الإدارة. سمحوا لي بالدخول بعدما شرحت لهم غايتي، كان الجميع مرتديا بذلات عسكرية، استقبلني أحد الكولونيلات بمكتبه قبل أن ينضم إليه آخر. كان ملفي لديهم وأخبروني أنهم قاموا بدراسته، كما وعدوا بالاهتمام بالموضوع، ولكنهم لم يعاودوا الاتصال بي منذ ذلك الحين»، يبرز الشبوكي.
لم يتوقف هذا المخترع عند هذا الباب بل طرق بابا آخر تجلى في رئاسة الحكومة، «بعد فترة الانتخابات وقبل تعيين الحكومة توجهت عند السيد الحبيب الشوباني، القيادي في حزب العدالة والتنمية، والذي أصبح الآن وزيرا، وعرضت عليه ملفي ووعدني بأن يرفع الملف إلى من يهمه الأمر. وقبل أيام توجهت إلى منزل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، والتقيته وهو خارج من منزله، وعرضت عليه ملفي وأخبرني أن المجال العسكري ليس من اختصاصه، وقال لي إنه سيعرض الأمر على جلالة الملك إذا كانت هناك فرصة»، يستطرد الشبوكي.
لم تحن الفرصة بعد ومازال حلم الشبوكي لم يتحقق، «لقد اكتمل مشروعي الآن بعدما خصصت له كل وقتي، حتى إنني اقترضت مبلغ 8 ملايين سنتيم من البنك لإجراء أبحاثي والآن أنا ملزم بأداء الدين الذي بذمتي. أتذكر عندما كنت في ألمانيا والتقيت بمولاي هاشم العمراني، الذي كان ملحقا عسكريا في مدينة بون الألمانية، وكان هو من شجعني على تطوير الفكرة، ولكن يبدو أنه ليست هناك تشجيعات للصناعة العسكرية في المغرب، وهو ما يضطر الكفاءات إلى أن تغادر المغرب وتعمل بمؤسسات عسكرية أجنبية كبرى»، يخلص الشبوكي.
في ضيافة مديرية التسليح
إذا كان حلم الشبوكي قد توقف عند أبواب مكاتب قيادات عسكرية ومسؤولين سياسيين لا يملكون سلطة على الجيش، فإن شخصا آخر، شب بالمغرب وفيه نشأ هوسه بصنع طائرات بدون طيار، قد اختار لنفسه طريقا آخر وتمكن من تحقيق حلمه بفرنسا. يتعلق الأمر بميشيل أغيلار، رجل فرنسي الجنسية مغربي المنشأ عمره الآن 63 سنة، قضى طفولته وسنوات من مراهقته بين الدار البيضاء وخريبكة، والذي أخرج حلمه إلى الوجود صانعا أصغر طائرة بدون طيار.
«المساء» تحدثت إلى أغيلار، الذي أبدى، من خلال كلماته، حبا كبيرا للمغرب، فقد ولد هنا بالدار البيضاء سنة 1949 من أسرة معمرة أيام الحماية. بالدار البيضاء قضى جزءا من طفولته، قبل أن ينتقل رفقة أسرته إلى خريبكة، ليعود، برغبة من والده، إلى فرنسا قصد متابعة دراسته. «نزلت بالمطار ليلاً، بينما كانت الأجراس ترن بعنف، في ليلة الخامس والعشرين من دجنبر من سنة 1949، وكان «مدرج المطار» جميلاً: إنها الدار البيضاء. قضيت سبع سنوات بعمارة غير بعيد عن مقهى «مارسيل سيردان»، ما زلت أذكر عندما كنت أرافق والدتي إلى سوق كان يطلق عليه حينها اسم «الحرية». كان والدي يشتغل بالمعاريف، أما أنا فقد كنت أستمتع بالذهاب إلى حديقة ليوطي، غير بعيد عن مدرسة مانتونون، التي قضيت فيها أولى سنوات تمدرسي»، يتحدث أغيلار عن سنواته الأولى بالمغرب قبل أن يضيف، «انتقلنا إلى خريبكة بعدما حصل والدي على وظيفة بمناجم الفوسفاط . هناك قضيت أفضل الذكريات في العالم، أنهيت دراستي الابتدائية، ثم القسم  السادس والخامس. درست اللغة العربية وسحرتني جمالية الخط العربي. صحيح أنني، مع كامل الأسف، نسيت كل شيء بسبب انقطاعي عن الممارسة منذ ذلك الحين، إلا أنني ما أزال أحتفظ ببعض الكلمات التي يمكن أن أنطقها. في خريبكة لعبت أولى مقابلاتي في كرة القدم، وكنت أيضاً أذهب لأستمتع بمشاهدة والدي وهو يلعب كقلب هجوم في نادي أولمبيك خريبكة. لعبنا مباريات لا حصر لها جمعت بين فرنسيين ومغاربة.. وخلال تلك الفترة بالضبط قررت أن أصبح لاعب كرة قدم محترفا، غير أن والدي كان له رأي آخر (يضحك). لقد تعلمت الحرية الحقيقية في المغرب».
لم تعلمه خريبكة العربية والخط فقط، بل زرعت فيه هوسه بالطيران، فخلال السنوات التي قضاها بالمغرب شرع أغيلار في تطوير هواية من نوع خاص: صنع الصواريخ، حيث بدأ بصنع صواريخ صغيرة، رفقة ابن عمه. الهواية ستتطور لتصير حرفة بعد انتقال أغيلار إلى فرنسا.
حمل أغيلار، وهو في طريقه إلى فرنسا، حلم تطوير طائرات حربية بدون طيار. كبر الحلم بعدما أنهى أغيلار فترة دراسته، ليعمل مخترعا ويلتحق، في الوقت نفسه، بالمندوبية العامة للتسليح الفرنسية مشتغلا مهندسا عسكريا.
على عكس الشبوكي، الذي ما زالت نظريته لصنع صواريخ حربية محتجزة في تصاميم وأوراق، تمكن أغيلار من تسلق سلم حلمه، بدعم من الدولة الفرنسية، وتجلى ذلك من خلال الدعم الذي قدمته له لما أظهر هوسا بصناعة الطيران. «رغم المشاكل التي واجهتني بفرنسا في البداية، بحيث كان يصعب على القادمين من المغرب أن يتعايشوا مع الفرنسيين المولودين في فرنسا، فإنني تمكنت من تحقيق حلمي»، يوضح أغيلار.
تجلى حلم أغيلار في تطوير مشروع طائرة صغيرة بدون طيار، من خلال استعمال تقنية خاصة جدا وهي المفاعل الحراري. لهذا الغرض مولت المديرية العامة للتسليح الفرنسية مشروعه، من خلال دعم شركات شكلت اتحادا ضمن أيضا مختبرات علمية دعمت مشروع أغيلار. «بلغ الدعم الذي خصصته المديرية العامة للتسليح للمشروع مليونا ونصف مليون أورو، وهي الكلفة التي يتطلبها إنجاز البرنامج. لم أتوصل أنا بهذا الدعم لأن الدولة الفرنسية لا تدعم الأفراد، بل تلقته الشركات والمختبرات المؤسسة للاتحاد الراعي للمشروع، وذلك وفق نسب مئوية تم تحديدها مسبقا، ويمكن الاطلاع على هذه التمويلات عبر الموقع الالكتروني للمديرية العامة للتسليح»، يبرز أغيلار قبل أن يردف، «مشروع مشابه للبرنامج الذي نشتغل عليه يعمل عليه حاليا علماء أمريكيون، وفي المقابل تلقى الاتحاد الراعي لهذا المشروع والمشكل من ثلاث شركات دعما قدره أربعون مليون دولار».
تفاصيل الدعم المخصص لمشروع أغيلار يظهر كيفية تعامل مؤسسات عسكرية أجنبية مع مخترعين ومهووسين بالصناعة العسكرية، إذ تتحمل المديرية العامة للتسليح بفرنسا، على سبيل المثال، تكلفة تطوير برامج، شرط تأسيس اتحادات بين شركات ترعى المشروع. هذا الدعم يوجد إذن للشركات كل حسب مساهمته، ولا يتلقاه الأشخاص، أي أن التعامل يكون مؤسساتيا. الأكثر من هذا أن تفاصيل الدعم تنشر بالموقع الإلكتروني للمديرية، ما يشير إلى الطابع الشفاف والتواصلي للمؤسسة العسكرية الفرنسية. المثير أكثر أن بالمديرية العامة للتسليح الفرنسية، وإلى جانب دعمها لمشاريع اختراعات، تنفتح، عبر موقعها الالكتروني، على طلبات تشغيل تهم توظيف جنود ومهندسين عسكريين وموظفين حتى ولو كانوا معاقين، كما تتيح إمكانية قضاء فترات تدريب بها في عدة مجالات بينها التمويل والتسويق العسكري، إلى جانب كونها تدلي بتفاصيل صفقات اقتناء الأسلحة، التي تندرج في إطار الصفقات العمومية بفرنسا، والمحاطة بمراقبة مالية دقيقة وواضحة.
يفصل أغيلار، في حديثه مع «المساء»، طبيعة دعم الجيش الفرنسي للمهندسين العسكريين الذين لهم مشاريع تطوير أسلحة أو طائرات حربية وحتى مدنية، بالقول: «لدعم أي مشروع يجب تأسيس اتحاد. وفي حالة المشروع الذي نعمل عليه فهناك اتحاد يضم شركة أوربية معروفة تفضل عدم ذكر اسمها حفاظا على السرية وحتى لا تتضرر من المنافسة، كما يوجد ضمن الاتحاد أيضا مختبر المركز الوطني للبحث العلمي، وشركات للصناعة الفضائية ومقاولات صغيرة ومتوسطة متطورة. هذا الاتحاد يتم تمويله من المال العمومي من خلال المديرية العامة للتسليح ووزارة الدفاع والمديرية العامة لوزارة الصناعة».
وفرت فرنسا بمؤسساتها، إذن، لهذا الفرنسي المغربي المنشأ كل الظروف المادية  والتقنية لإنجاز اختراعه. في المقابل، سيستحث أغيلار الجهود لإنجاز مشروعه الذي أسماه «إكس بولرار بي إكس 200»، والمتمثل في طائرة بدون طيار، قبل شهر يونيو 2013.



جنرالات يحاكمون تلاميذ وقرويون طوروا «عبوات ناسفة» و«مواد متفجرة»
يستحيل أن يقوم مغاربة بصناعة أسلحة وتطوير صواريخ وقنابل في المغرب مهما بلغ هوسهم واهتمامهم بهذا المجال، فأي شيء له علاقة بصنع السلاح يقع تحت أنظار الجيش وسلطته. وبالتالي فكل شخص يغامر باختراع معدات حربية يكون مصيره المرور على أنظر قضاة من ضباط القوات المسلحة وكولونيلاتها وجنرالاتها الذين يشكلون هيئات الحكم داخل المحكمة العسكرية.
هذه المحكمة التي تقع بشارع فسيح وسط العاصمة الرباط تشهد على فصول محاكمة مواطنين عاديين مدنيين بتهمة صناعة أسلحة ومتفجرات، حتى ولو كان صنعهم لها محض لهو.
في مثل هذا الوقت من سنة 2009 عرض على أنظار المحكمة العسكرية تلميذ يدرس في إحدى ثانويات مدينة العيون. التلميذ كان يتابع دراسته في إطار شعبة العلوم الفيزيائية، براعته في هذا المجال دفعته إلى تطوير ما اكتسبه نظريا، متمكنا من صنع ما تم اعتباره عبوة ناسفة، إذ عمد إلى وضع مزيج كيميائي داخل قنينة ماء ووضعها بمحفظته ودخل بها إلى الثانوية ليري زملاءه ما صنع، فجأة انفجرت العبوة وسط الثانوية وأثار ذلك هلعا بالغا، ليتم إخطار الأمن الذي اعتقل التلميذ قبل إحالته على المحكمة العسكرية بالرباط بتهمة صناعة مواد متفجرة.
واقعة أخرى تشير إلى التعامل الصارم للدولة مع الأشخاص الذين يصنعون أو يحوزون مواد متفجرة، وتتعلق باعتقال 11 شخصا يقيمون بأحد دواوير تالمست بمحاذاة الصويرة. هؤلاء كانوا أشخاصا قرويين، مصدر عيشهم الوحيد هو صناعة «البارود» المستعمل في احتفالات «التبوريدة»، كان ذلك رزقهم الوحيد بسبب ضعف المردود الفلاحي بالمنطقة.
فجأة تغير كل شيء، وذلك في مثل هذا الوقت من السنة أيضا، وتحديدا في 14 أبريل 2004 عندما حلت قوات تابعة للجيش والدرك الملكي بمنطقة تالمست حيث تم اعتقال الأشخاص المذكورين بتهمة حيازة وصناعة مواد متفجرة، وذلك باعتمادهم على حرق أشجار «الكرم» وخلطها بنوع معين من الملح قصد إنتاج «البارود». محاضر محاكمة هؤلاء القرويين، والتي تتوفر عليها «المساء»، توضح الطابع الصارم للأحكام التي تصدرها المحكمة العسكرية، إذ جرت المحاكمة سريعا وتحت إشراف ضباط عسكريين وتم الحكم بالسجن في حق «أصحاب البارود»، الذين يوجد بينهم مسنون، بالسجن سنوات ما زال بعضهم يقضي آخرها بالسجن المدني بالصويرة.


ميشيل أغيلار: حصلنا على دعم من مديرية التسليح الفرنسية لاختراع طائرة صغيرة بدون طيار
المخترع والمهندس العسكري يكشف عن فريق عمله الذي يضم مغاربة
بدأ حواره مع "المساء" بكشف لحظات من حياته بالمغرب قبل أن يغادره صوب فرنسا. تحدث، بحميمية، عن أن السنوات التي قضاها في المغرب، والتي ألهمته في اختراعاته المثيرة، التي فتحت لها فرنسا أبواب شركاتها ومؤسساتها الحربية وإداراتها الخاصة بالتسليح العسكري. في هذا الحوار يبرز ميشيل أغيلار، المخترع والمهندس العسكري السابق بالمندوبية العامة للتسليح الفرنسية، تفاصيل اختراعه، ويتحدث عن التنسيق الذي يقوم به مع مغاربة لتطوير طائرات بدون طيار وسيارات طائرة لن يتعدى ثمنها 56 مليون سنتيم.
- كيف بدأ اهتمامك بتطوير طائرات بدون طيار ومشاريع أخرى في مجال الطيران؟
< يجب أن أعترف بأن الرغبة في التحليق نحو الأعلى، بسرعة، وبقوة، تعود إلى تلك الفترة من طفولتي بالمغرب. بدأت بصنع صواريخ صغيرة، في سن جد مبكرة، بالتعلم من ابن عمي ذي الثمان سنوات الذي كان يكبرني. عندما أفكر في هذه الأرض المغربية التي  شهدت ولادتي وزرعت في نفسي بذور المستقبل، أكتشف أنني، مهما قلت في حقها وفعلت من أجلها، لن أكون ممتنا لها بما يكفي.  لهذا سوف لن أفوت أي فرصة متاحة كي أرد لها جزءاً مما أهدته لي بسخاء.
- ما هي الخصائص التقنية لاختراعك؟ وما علاقته بمجال الطيران الحربي؟
< في منتصف عام 2013 سنكون قد صادقنا تجريبياً على مفهوم المفاعل الحراري، الذي سيشكل قطيعة حقيقية مع التكنولوجيا في عالم المحركات، والذي كان موضوع مجموعة من براءات الاختراع الأساسية مثل «ما بعد الحقن» (Post-injection) أو «الإشعال الحراري» (l’Allumage thermique). وفي شهر يونيو من سنة 2013 سنعرض نموذجاً خاملاً (على الأرض) لسيارة «إكس بلورار» بصالون بوركي. ثم سنصل في عام 2015 بهذه التكنولوجيا الجديدة إلى مرحلة كافية من النضج، تليها في شتنبر 2017 مرحلة صناعة نموذج تجريبي، ستستغرق اختباراتها ما بين سنة إلى سنتين، قبل تقديم نسخة آمنة للجمهور. من ومن أجل تحقيق كل هذا، نحن بحاجة إلى فرق كفأة ومتحمسة لا تتراجع أمام العراقيل ولا تقهرها أي صعوبات. وسنكون أيضاً بحاجة إلى الطاقة المادية، أي التمويل (يضحك).
بعد بدئي بعض الدراسات حول المشروع رفقة عدد قليل من طلاب المعهد العالي للطيران والفضاء، والمدرسة الوطنية لمهندسي صناعة الطائرات (مدرستي السابقة للملاحة الجوية في تولوز)، ارتبطنا بأول راعٍ هو Dassault Systèmes، عن طريق برنامجه «Passion for Innovation»، الذي مكننا من البرهنة رقمياً على قدرة سيارتنا على الإقلاع عن طريق المحاكاة (simulation). بعد ذلك سيجيء دور «EADS Innovation Works»، الذي يشكل بالنسبة لنا شريكاً نشيطاً وثميناً. وأخيراً، تم منذ أقل من سنة تأسيس اتحاد يجمع عدداً من المختبرات الوطنية الصناعية المرموقة الداعمة للمشروع، والتي تأتي على رأسها كل من شركة «COMAT Aerospace»، التي تستجيب لمعايير المديرية العامة للتسليح التابعة لوزارة الدفاع الفرنسية، والمديرية العامة للتنافسية والصناعة والخدمات. هذا الاتحاد الراعي للمشروع حصل على دعم قدره مليون ونصف مليون دولار من المديرية العامة للتسليح لإنجاز مشروع طائرة صغيرة بدون طيار قبل يونيو 2013.
تقنيا، الذي سيُمَكن السيارة من الطيران من دون حاجة إلى مراوح أو أي أجزاء دوارة، هو المفاعل الحراري لأن من خصائصه الرئيسية قدرته على الاندماج في الأجنحة وتوفير قدر هام من الاستهلاك. وإذا نحن أردنا أن نبسط الأمر بشكل كبير لعموم الناس، يمكننا القول إن المفاعل الحراري عبارة عن آلة تضخ الغازات بسرعة فائقة. هذه الغازات يتم  توجيهها عند الإقلاع تحت تأثير مفعول الكوندا نحو الأرض. ومفعول الكوندا هو مفعول يحمل اسم المهندس الروماني الذي اكتشفه، وتفسيره أن الهواء يجنح، عند التقائه بمساحات مقوسة، إلى اتباعها وسحبها، وهذا ما استخدمته البوينغ في طائرتها  YC-14  للتقليل من المسافة اللازمة قطعها على الأرض قبل الارتفاع والتحليق. وبعد الإقلاع يتم توجيهها أفقيا لتصل إلى سرعة 200 كلم في الساعة،  باستهلاك أقصى قدره 15 لترا في كل مائة كيلومتر. بالإمكان أيضاً الوصول إلى سرعة تفوق 600 كلم في الساعة، لكن بضع دقائق فقط لأن ذلك، وهذا ليس أمراً سرياً، يرفع من استهلاك الوقود بشكل كبير.
- هل هناك مغاربة ضمن أعضاء فريقك؟ كم عددهم؟ وكيف التحقوا بالمشروع؟
< نعم، هذا صحيح، هناك مغاربة يعملون معي. وفي الواقع أنا محظوظ ليكون من بين طاقم فريقي متدربة لامعة اسمها نرجس بوفراشة، وهي بصدد إنهاء دراستها، وإعداد أطروحتها حول المشروع ذاته بالمعهد العالي للطيران والفضاء و «Supaéro»، وتشتغل على مشروع المفاعل الحراري ضمن شركة لا أستطيع أن أفصح عن اسمها الآن، على أن يتم الإفراج عن أعمالها مطبوعة في الوقت المناسب. هناك أيضاً علاء غالم، الذي أشكره على مشاركته في بعض أجزاء مشروع «إكس بلورار».

مواجهات عنيفة بمصر


ثقافة الشارع في شكل آخر



أكبر باخرة في العالم بطنجة


liniwih

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...